بسم الله الرحمن الرحيم
(...وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْوَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُواًّ غَفُوراً *).
(النساء:43).
بقلم الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب النجار
هذا النص القرآني الكريم جاء في أواخر الربع الأول من سورة "النساء" وهي سورة مدنية وآياتها مائة وست وسبعون (176) بعد البسملة, وهي رابع أطول سور القرآن الكريم بعد كل من سورة البقرة, والأعراف, وآل عمران, وقد سميت بهذا الاسم لكثرة ما ورد فيها من الاحكام الشرعية التي تتعلق بفقه النساء.
نركز هنا على وجه الإعجاز التشريعي في التيمم كما جاء في النص الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال.
من أوجه الإعجاز التشريعي في التيمم
جاءت الإشارة القرآنية إلى التيمم مرتان في كتاب الله وذلك في سورتي النساء والمائدة على النحو التالي :
1- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَوَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَوَلاَجُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواوَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْوَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُواًّ غَفُوراً *) (النساء : 43) .
2- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُواوُجُوهَكُمْوَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِوَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْوَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِوَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواوَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْوَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍوَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْوَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *) ( المائدة : 6 ).
ومعنى لفظة (التيمم) في اللغة العربية هو القصد , و (تيمموا) أي تقصدوا , أو اقصدوا , ومعنى (التيمم) في الشرع مسح الوجه واليدين بتراب طهور على وجه مخصوص, وذلك بوضع اليدين على التراب الطهور, أو الحجر المغبر, أو نحو ذلك مما يحمل شيئا من غبار التراب. والتيمم مشروع عند فقد الماء, أو العجز عن استعماله بسبب المرض, وقد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع.
ومن أدلة مشروعية التيمم من كتاب الله- تعالى- الآيتان رقم (43) من سورة "النساء" , ورقم (6) من سورة "المائدة" , وفد سبقت الإشارة إليهما.
ومن أدلة السنة عدد من أحاديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- التي منها ما رواه كل من الإمامين البخاري ومسلم, من حديث عمران بن حصين- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا معتزلا , لم يصل مع القوم , فقال له :" ما يمنعك يا فلان أن تصلي في القوم ؟" فقال : يا رسول الله ! أصابتني جنابة ولا ماء, فقال- صلى الله عليه وسلم- : " عليك بالصعيد فإنه يكفيك ". أما الإجماع فمستمد من إجماع المسلمين على أن التيمم يقوم مقام الوضوء والغسل.
ومن الحكمة التشريعية في التيمم أن الله- تعالى- قد رفع عن المسلمين الحرج والمشقة في جميع ما فرض عليهم من عبادات, فمن عجز عن الوضوء أو الغسل لعدم توافر الماء أو بسبب المرض وجب عليه التيمم الذي يقوم به المؤمن امتثالا لأمر الله- تعالى- وطهارة لقلب المتيمم. ويشترط أن يكون التراب الذي يتيمم به طاهرا نظيفا, فإن كان ظاهر القذارة والتلوث فإنه لا يسمح بلمسه فضلا عن التيمم به.
والتيمم واجب في العضوين اللذين يجب غسلهما في الوضوء وهما الوجه واليدان , أما الرأس فالواجب فيه المسح في الوضوء, وأما الرجلان فتارة يغسلان في الوضوء وتارة أخرى يمسح عليهما فوق الخف.
والتيمم مفروض, لكل ما يفترض له الوضوء أو الغسل من الصلاة , ومس المصحف, وغير ذلك, وهو مندوب لصلاة النافلة لأنها مندوبة, وإن كانت لا تصح بدون التيمم.
ويشترط لصحة التيمم ما يشترط لصحة كل من الوضوء والغسل ويزاد على ذلك دخول الوقت, فلا يصح التيمم قبله, ومن شروط التيمم كذلك فقد الماء (فإما ألا يجده أصلا, أو يجده بما لا يكفي للطهارة), وعدم وجود حائل على أحد أعضاء التيمم من الجسم.
ويقوم كل من المسلم والمسلمة بالتيمم لكل ما يتوقف على الطهارة بالماء من الصلاة المكتوبة, والنوافل, وصلاة الجمعة, وصلاة العيدين, وصلاة الجنازة, والطواف حول الكعبة, ومس المصحف, وغير ذلك من أمور العبادة التي تستوجب الطهارة.
ومن أركان التيمم النية, (وإن رآها بعض القفهاء شرطا للتيمم وليست ركنا من أركانه) والنية تكون بغرض التيمم , أو بأن ينوي استباحة الصلاة أو مس المصحف, أو استباحة غير ذلك مما يشترط فيه الطهارة ويفضل أن ينوي بنية فرض التيمم . ووقت النية عندما يضع يديه على ما يتيمم به , ومن ذلك الصعيد الطهور ( أي الذي لم تمسه نجاسة).
ومن أركان التيمم المسح والضربتان على الصعيد الطاهر والمقصود بالمسح هو مسح جميع الوجه, ومسح اليدين مع المرفقين , ويجب أن ينزع كل ما يستر شيئا من اليدين كالخاتم والإساور, فلا يكفي تحريكه في التيمم , بخلاف الوضوء , وإن أجاز البعض مجرد التحريك؛ ومن أركان التيمم عند بعض الفقهاء الترتيب, والموالاة, فالضربة الأولى هي استعمال الصعيد, ونفض اليدين, وتعميم الوجه واليدين إلى الكوعين بالمسح. ويسن في التيمم عند الحنابلة تأخيره إلى آخر الوقت المختار إن علم أو ظن وجود الماء في الوقت المناسب, أو استوى الأمران عنده, فإن تيمم أول الوقت وصلى, صحت صلاته, ولا إعادة عليه, حتى لو وصل الماء قبل خروج وقت الصلاة.
ويندب للتيمم التسمية, والسواك, والصمت إلا عن ذكر الله, واستقبال القبلة, وأن يبدأ بعد الضربة الأولى بمسح الوجه, وبعد الضربة الثانية بمسح ظاهر يمناه ببطن يسراه, وأن يجعل ظاهر أطراف يده اليمنى في باطن يده اليسرى, ثم يمررها إلى المرفق قابضا على الساعد إلى العضد بكف اليسرى, ثم يمسح من طي المرفق إلى آخر الأصابع, ثميفعل ذلك تماما بيدهاليسرى. ومن عجز عن الوضوء أوالتيمم لمرض شديد, أو حبس في مكان لا يوجد به ما يصح التيمم عليه فإنه يجب عليه أن يصلي الفرائض فقط في وقتها, والغرض من ذلك هو إظهار الخضوع لإوامر الله- تعالى- في جميع الأحوال, وتحت مختلف الظروف. ومن الفقهاء من يقول بإعادة هذه الصلاة عند توفر الماء أو الصعيد الطاهر أو الشفاء من المرض, ومنهم من يقول بسقوطها عمن لا يتوفر له وضوء أو تيمم, وذلك انطلاقا من قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: " لا يقبل الله صلاة بغير طهور".
ويكره في التيمم تكرار المسح فوق المرة الواحدة, وتكثير التراب, وكثرة الكلام في غير ذكر الله, وإطالة المسح إلى ما فوق المرفقين, ونواقض الوضوء, وإن كانت لا تبطل الغسل, فإنها تبطل التيمم الواقع عن الغسل, وعليه أن يعيد التيمم.